فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} أوثق العرى جانب الله لأن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له، ثم قال تعالى: {وإلى الله عاقبة الأمور} يعني استمسك بعروة توصله إلى الله وكل شيء عاقبته إليه فإذا حصل في الحال ما إليه عاقبته في عاقبته في غاية الحسن وذلك لأن من يعلم أن عاقبة الأمور إلى واحد ثم يقدم إليه الهدايا قبل الوصول إليه يجد فائدته عند القدوم عليه، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله: {وَمَا تُقَدّمُوا لأَنْفُسكُم مّنْ خَيْرٍ تَجدُوهُ عندَ الله} [البقرة: 110].
{وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُمْ بمَا عَملُوا إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بذَات الصُّدُور (23)}.
لما بين حال المسلم رجع إلى بيان حال الكافر فقال: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ} أي لا تحزن إذا كفر كافر فإن من يكذب وهو قاطع بأن صدقه يتبين عن قريب لا يحزن، بل قد يؤنب المكذب على الزيادة في التكذيب إذا لم يكن من الهداة ويكون المكذب من العداة ليخجله غاية التخجيل، وأما إذا كان لا يرجو ظهور صدقه يتألم من التكذيب، فقال فلا يحزنك كفره، فإن المرجع إلي فأنبئهم بما عملوا فيخجلون وقوله: {إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور} أي لا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم فينبئهم بما أضمرته صدورهم، وذات الصدور هي المهلك، ثم إن الله تعالى فصل ما ذكرنا وقال: {نُمَتّعُهُمْ قَليلًا} أي بقاؤهم مدة قليلة ثم بين لهم وبال تكذيبهم وكفرهم بقوله: {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} أي نسلط عليهم أغلظ عذاب حتى يدخلوا بأنفسهم عذابًا غليظًا فيضطرون إلى عذاب النار فرارًا من الملائكة الغلاظ الشداد الذين يعذبونهم بمقامع من نار، وفيه وجه آخر لطيف وهو أنهم لما كذبوا الرسل ثم تبين لهم الأمر وقع عليهم من الخجالة ما يدخلون النار ولا يختارون الوقوف بين يدي ربهم بمحضر الأنبياء، وهو يتحقق بقوله تعالى: {فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بمَا عَملُوا}.
{وَلَئنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُل الْحَمْدُ للَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)}.
الآية متعلقة بما قبلها من وجهين أحدهما: أنه تعالى لما استدل بخلق السموات بغير عمد وبنعمه الظاهرة والباطنة بين أنهم معترفون بذلك غير منكرين له وهذا يقتضي أن يكون الحمد كله لله، لأن خالق السموات والأرض يحتاج إليه كل ما في السموات والأرض، وكون الحمد كله لله يقتضي أن لا يعبد غيره، لكنهم لا يعلمون هذا والثاني: أن الله تعالى لما سلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم} أي لا تحزن على تكذيبهم فإن صدقك وكذبهم يتبين عن قريب عند رجوعهم إلينا، قال وليس لا يتبين إلا ذلك اليوم بل هو يتبين قبل يوم القيامة لأنهم معترفون بأن خلق السموات والأرض من الله، وهذا يصدقك في دعوى الوحدانية ويبين كذبهم في الإشراك فقل الحمد لله على ظهور صدقك وكذب مكذبيك {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي ليس لهم علم يمنعهم من تكذيبك مع اعترافهم بما يوجب تصديقك وعلى هذا يكون لا يعلمون استعمالًا للفعل مع القطع عن المفعول بالكلية كما يقول القائل فلأن يعطي ويمنع ولا يكون في ضميره من يعطي بل يريد أن له عطاءً ومنعًا فكذلك هاهنا قال لا يعلمون أي ليس لهم علم وعلى الأول يكون لا يعلمون له مفعول مفهوم وهو أنهم لا يعلمون أن الحمد كله لله، والثاني أبلغ لأن قول القائل: فلان لا علم له بكذا، دون قوله فلان لا علم له، وكذا قوله فلان: لا ينفع زيدًا ولا يضره، دون قوله: فلان لا يضر ولا ينفع.
{للَّه مَا في السَّمَاوَات وَالْأَرْض إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنيُّ الْحَميدُ (26)}.
ذكر بما يلزم منه، وهو أنه يكون له ما فيهما والأمر كذلك عقلًا وشرعًا، أما عقلًا فلأن ما في السموات المخلوقة مخلوق وإضافة خلقه إلى من منه خلق السموات والأرض لازم عقلًا لأنها ممكنة، والممكن لا يقع ولا يوجد إلا بواجب من غير واسطة كما هو مذهب أهل السنة أو بواسطة كما يقوله غيرهم، وكيفما فرض فكله من الله لأن سبب السبب سبب، وأما شرعًا فلأن من يملك أرضًا وحصل منها شيء ما يكون ذلك لمالك الأرض فكذلك كل ما في السموات والأرض حاصل فيهما ومنهما فهو لمالك السموات والأرض وإذا كان الأمر كذلك تحقق أن الحمد كله لله.
ثم قوله تعالى: {إنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} فيه معان لطيفة أحدها: أن الكل لله وهو غير محتاج إليه غير منتفع به وفيها منافع فهي لكم خلقها فهو غني لعدم حاجته حميد مشكور لدفعه حوائجكم بها وثانيها: أن بعد ذكر الدلائل على أن الحمد كله لله ولا تصلح العبادة إلا لله افترق المكلفون فريقين مؤمن وكافر، والكافر لم يحمد الله والمؤمن حمده فقال إنه غني عن حمد الحامدين فلا يلحقه نقص بسبب كفر الكافرين، وحميد في نفسه فيتبين به إصابة المؤمنين وتكمل بحمده الحامدون وثالثها: هو أن السموات وما فيها والأرض وما فيها إذا كانت لله ومخلوقة له فالكل محتاجون فلا غني إلا الله فهو الغني المطلق وكل محتاج فهو حامد، لاحتياجه إلى من يدفع حاجته فلا يكون الحميد المطلق إلا الغني المطلق فهو الحميد، وعلى هذا يكون الحميد بمعنى المحمود، والله إذا قيل له الحميد لا يكون معناه إلا الواصف، أي وصف نفسه أو عباده بأوصاف حميدة، والعبد إذا قيل له حامد يحتمل ذلك المعنى، ويحتمل كونه عابدًا شاكرًا له. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلّى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه يخلص لله، قاله السدي.
الثاني: يقصد بوجهه طاعة الله.
الثالث: يسلم نفسه مستسلمًا إلى الله وهو محسن يعني في عمله.
{فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني: القرآن، قاله أنس بن مالك.
الثالث: الإسلام، قاله السدي.
الرابع: الحب في الله والبغض في الله، قاله سالم بن أبي الجعد.
وفي تسميتها بالعروة الوثقى وجهان:
أحدهما: أنه قد استوثق لنفسه فيما تمسك به كما يستوثق من الشيء بإمساك عروته. الثاني: تشبيهًا بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل.
{وَإلَى اللَّه عَاقبةُ الأُمُور} قال مجاهد: وعند الله ثواب ما صنعوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَنْ يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّه وَهُوَ مُحْسنٌ فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى}.
لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل، وقرأت عامة القراء {يسْلم} بسكون السين وتخفيف اللام.
وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن {يسَلّم} بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به، والوجه هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص، والمحسن الذي جمع القول والعمل، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان، و{العروة الوثقى} استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك {بالعروة} و{الأمور} جمع أمر وليس بالمضاد للنهي، ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره لا يحزن لذلك بل يعمد لما كفله من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى، وقرأ ت فرقة {يُحزنك} من الرباعي، وقرأت فرقة {يَحزنك} من الثلاثي، و{ذات الصدور} ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء، ومن ذلك قولهم الذئب مغبوط بذي بطنه، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه ذو بطن بنت خارجة، والمتاع القليل هو العمر في الدنيا، والعذاب الغليظ معناه المغلظ المؤلم، ثم أقام عليه الحجة في أمر الأصنام بأنهم يقرون بأن الله تعالى خالق المخلوقات ويدعون مع ذلك إلهًا غيره، والمعنى {قل الحمد لله} على ظهور الحجة عليكم، وقوله تعالى: {بل أكثرهم} إضراب عن مقدر تقديره ليس دعواهم بحق ونحو هذا، وقوله: {أكثرهم} على أصله لأن منهم من شذ فعلهم كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس، وورقة بن نوفل، ويحتمل أن تكون الإشارة أيضًا إلى من هو معد أن يسلم، ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة و{الغني} الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، و{الحميد} المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى.
{وَهُوَ مُحْسنٌ} لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع؛ نظيره: {وَمَن يَعْمَلْ منَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمنٌ} [طه: 112].
وفي حديث جبريل قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} قال ابن عباس: لا إله إلا الله؛ وقد مضى في البقرة.
وقد قرأ عليّ ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسُّلَمي وعبد الله بن مسلم بن يسار: {وَمَنْ يُسَلّم}.
النحاس: و{يسلّم} في هذا أعرف؛ كما قال عز وجل: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهيَ للَّه} [آل عمران: 20] ومعنى: {أَسْلَمْتُ وَجْهيَ للَّه} قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل؛ ويكون {يسلّم} على التكثير؛ إلا أن المستعمل في سلّمت أنه بمعنى دفعت؛ يقال سلمت في الحنطة، وقد يقال أسلمت.
الزمخشريّ: قرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: {وَمَنْ يُسَلّم} بالتشديد؛ يقال: أسلم أمرك وسلّم أمرك إلى الله تعالى؛ فإن قلت: ما له عُدّي بإلى، وقد عدّي باللام في قوله عز وجل: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه} [البقرة: 112]؟ قلت: معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالمًا لله؛ أي خالصًا له.
ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه.
والمراد التوكل عليه والتفويض إليه.
{وإلى الله عَاقبَةُ الأمور} أي مصيرها.
قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بمَا عملوا} أي نجازيهم.
{إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور}.
{نُمَتّعُهُمْ قَليلًا} أي نبقيهم في الدنيا مدّة قليلة يتمتعون بها.
{ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} أي نلجئهم ونسوقهم.
{إلى عَذَابٍ غَليظٍ} وهو عذاب جهنم.
ولفظ من يصلح للواحد والجمع، فلهذا قال: {كُفْرُهُ} ثم قال: {مَرْجعُهُمْ} وما بعده على المعنى.
قوله تعالى: {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} أي هم يعترفون بأن الله خالقهن فلم يعبدون غيره.
{قُل الحمد للَّه} أي على ما هدانا له من دينه، وليس الحمد لغيره.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا ينظرون ولا يتدبّرون.
{للَّه مَا في السماوات والأرض} أي ملكًا وخلقًا.
{إنَّ الله هُوَ الغني} أي الغني عن خلقه وعن عبادتهم، وإنما أمرهم لينفعهم.
{الحميد} أي المحمود على صنعه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله}.
بأنْ فوَّض إليه مجامعَ أموره وأقبلَ عليه بكلّيته، وحيثُ عُدّي باللام قصد معنى الاختصاص. وقُرىء بالتَّشديد. {وَهُوَ مُحْسنٌ} أي في أعماله آتٍ بها جامعةً بين الحُسن الذاتيّ والوصفيّ وقد مرَّ في آخر سورة النَّحل {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} أي تعلَّق بأوثق ما يتعلَّق به من الأسباب وهو تمثيلٌ لحال المتوكل المشتغل بالطَّاعة بحال من أراد أنْ يترقَّى إلى شاهق جبلٍ فتمسَّك بأوثق عُرى الحبل المُتدلّي منه {وإلى الله} لا إلى أحدٍ غيره {عاقبة الامور} فيجازيه أحسنَ الجزاء. {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} فإنَّه لا يضُّرك في الدُّنيا ولا في الآخرة. وقُرىء فلا يُحزنك من أحزَن المنقول من حَزن بكسر الزَّاي وليس بمستفيضٍ {إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ} لا إلى غيرنا {فَنُنَبّئُهُم بمَا عَملُوا} في الدُّنيا من الكفر والمَعَاصي بالعذاب والعقاب. والجمعُ في الضَّمائر الثَّلاثة باعتبار معنى مَن كما أنَّ الإفرادَ في الأول باعتبار لفظها {إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور} تعليلٌ للتنبئة المعبَّر بها عن التَّعذيب {نُمَتّعُهُمْ قَليلًا} تمتيعًا أو زمانًا قليلًا فإنَّ ما يزول وإنْ كانَ بعد أمدٍ طويلٍ بالنسبة إلى ما يدومُ قليلٌ {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَليظٍ} يثقُل عليهم ثقلَ الأجرام الغلاظ أو يضمُّ إلى الإحراق الضَّغطَ والتضييق.
{وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} لغاية وضوح الأمر بحيث اضطروا إلى الاعتراف به {قُل الحمد للَّه} على أنْ جعلَ دلائلَ التَّوحيد بحيثُ لا يكادُ ينكرها المكابرون أيضًا {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} شيئًا من الأشياء فلذلك لا يعملون بمقتضى اعترافهم وقيل: لا يعلمون أنَّ ذلك يلزمُهم {للَّه مَا في السموات والأرض} فلا يستحقُّ العبادةَ فيهما غيرُه. {إنَّ الله هُوَ الغنى} عن العالمينَ {الحميد} المستحقُّ للحمد وإنْ لم يحمدْهُ أحدٌ أوالمحمودُ بالفعل يحمدُه كلُّ مخلوقٍ بلسان الحال. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله}.
بأن فرض إليه تعالى جميع أموره وأقبل عليه سبحانه بقلبه وقالبه، فالإسلام كالتسليم التفويض، والوجه الذات، والكلام كناية عما أشرنا إليه من تسليم الأمور جميعها إليه تعالى والإقبال التام عليه عز وجل وقد يعدى الإسلام باللام قصدًا لمعنى الإخلاص.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وعبد الله بن مسلم بن يسار {يُسْلمْ} بتشديد اللام من التسليم وهو أشهر في معنى التفويض من الإسلام {وَهُوَ مُحْسنٌ} أي في أعماله والجملة في موضع الحال.
{فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} تعلق أتم تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وهذا تشبيه تمثيلي مركب حيث شبه حال المتوكل على الله عز وجل المفوض إليه أموره كلها المحسن في أعماله بمن ترقى في جبل شاهق أو تدلى منه فتمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمور انقطاعه، وجوز أن يكون هناك استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى بأن يشبه التوكل النافع المحمود عاقبته بها فتستعار له {وإلى الله عاقبة الامور} أي هي صائرة إليه عز وجل لا إلى غيره جل جلاله فلا يكون لأحد سواه جل وعلا تصرف فيها بأمر ونهي وثواب وعقاب فيجازي سبحانه هذا المتوكل أحسن الجزاء، وقيل: فيجازي كلًا من هذا المتوكل وذاك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة، وأل في الأمور للاستغراق، وقيل: تحتمل العهد على أن المراد الأمور المذكورة من المجادلة وما بعدها، وتقديم {إلَى الله} للحصر ردًا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور.
واختار بعضهم كونه إجلالًا للجلالة ورعاية للفاصلة ظنًا منه أن الاستغراق مغن عن الحصر وهو ليس كذلك.
{وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} أي فلا يهمنك ذلك {إلَيْنَا} لا إلى غيرنا {مَرْجعُهُمْ} رجوعهم بالبعث يوم القيامة {فَنُنَبّئُهُم بمَا عَملُوا} أي بعملهم أو بالذي عملوه في الدنيا من الكفر والمعاصي بالعذاب والعقاب، وقيل: إلينا مرجعهم في الدارين فنجازيهم بالإهلاك والتعذيب والأول أظهر وأيًا ما كان فالجملة في موضع التعليل كأنه قيل: لا يهمنك كفر من كفر لأنا ننتقم منه ونعاقبه على عمله أو الذي عمله والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الأول باعتبار لفظها، وقرىء في السبع {وَلاَ يَحْزُنكَ} مضارع أحزن مزيد حزم اللام؛ وقدر اللزوم ليكون للنقل فائدة وحزن وأحزن لغتان، قال اليزيدي: حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرىء بهما، وذكر الزمخشري أن المستفيض في الاستعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي والعهدة في ذلك عليه {إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور} تعليل للتنبئة المعبر بها عن المجازاة أن يجازيهم سبحانه لأنه عز وجل عليم بالضمائر فما ظنك بغيرها.